اعتدى الطالب م . ن على المعلم خ.ج، والطالب ع . و يكسر يد المعلم س.ر، ومجموعة من الطلاب يهشمون سيارة معلمهم، وهكذا تتواتر حالات متعددة من اعتداء الطلاب على معلميهم، وتتكرر اعتداءاتهم أيضا على سيارات معلميهم وغيرها من ممتلكاتهم، حتى أصبحت هذه المشكلة في معظم أحوالها طبيبعة ومن المتوقع وقوعها رغم غرابتها وخروجها السافر عن دائرة احترام المعلم وهيبته سواء كان ذلك داخل المدرسة أو في الحي أو الشارع.
«عكاظ الشباب» تطرح هذه المشكلة في ندوة عقدتها في مكتب الصحيفة في عرعر، استضافت فيها كافة الأطراف لاسيما التربويون الأقرب لهذه المشكلة، فيما اختلفت آراء الطلاب وعدد من أولياء أمورهم عن آراء المختصين، وكان السؤال العريض الذي يطرح نفسه: هل ضاعت هيبة المعلم؟
بالإضافة إلى أسئلة أخرى تمحورت حول لماذا لم يعد تلاميذ اليوم يقدرون المعلمين كما كان الجيل السابق، وهل وصلت مسألة اعتداء الطلاب على المعلمين حد الظاهرة، وما هو دور الأسرة، وماهو دور إدارات التربية والتعليم تجاه مثل هذه الأحداث، وماذا يقول الطلاب أنفسهم حول هذه الاعتداءات؟
سلوك المعلم
سعود بن عبد الله الربيع الذي عمل سنوات طويلة في إدارة المدارس الثانوية ومشرفا تربويا ورئيسا سابقا لنادي عرعر الرياضي، وله مشاركات تربوية متعددة، قال: إن مجرد اعتداء الطالب على معلم يعني وجود خلل سلوكي من قبل المعلم تجاه نفسه وإعدادها لتحمل مسؤولية التربية أو تجاه الطالب من تصرفات غير مسؤولة أثناء سير العملية التعليمية.
فيما أشار خليفة بن لافي العنزي وهو مشرف التوجيه والإرشاد في الإدارة العامة للتربية والتعليم في منطقة الحدود الشمالية «يجب أن يكون هناك أولا عملية تحر عن الأسباب التي تقود الطالب لفعل مثل هذا الأمر، وما هي»، واستطرد «قد يكون المعلم سببا، وقد يكون الطالب صاحب سلوك سيء، ومن خلال ملاحظاتنا، وجدنا أن أسلوب المعلم في علاج أي مشكلة كانت هو الذي يتسبب في مثل هذه الأحداث، بالإضافة إلى ضعف شخصية بعض المعلمين ولها دور كبير، واندفاعيته لضبط الطلاب، وبعض المعلمين ينظر أحيانا إلى أن القوة قد تكون حلا وهذا خطأ كبير، إذ أن شخصية المعلم لها دور كبير و لايمكن الحكم على أي اعتداء إلا بعد معرفة كافة الأسباب».
وعن نظرته للعقاب البدني وهل هو حل لإيقاف الضرب أوضح خليفة أيضا «لا ضرورة لذلك بدليل أن هناك الكثير من المعلمين يستطيعون ضبط الفصل، وكذلك شغل وقت الطالب دون استخدام العقاب البدني»، مؤكدا على وجود وسائل تربوية منها «التهميش الذي ربما يدفع الطالب إلى إثبات وجوده، إضافة إلى تقرير السلوك الإيجابي عن الطالب»، وطالب بأن لاتكون العلاقة بين المعلم والطالب مفتوحة وتصل إلى حد التدخل بالخصوصيات، بل يجب أن تكون علاقة مبنية على الود والاحترام والتقدير، إضافة إلى منح الطلاب فسحة مدرسية على مرتين وإعطاء الطلاب راحة بين كل حصة وأخرى من أجل إبعادهم عن المزيد من الضغوط، مشددا على أهمية تفهم المعلم لخصائص نمو الطالب، وكذلك على أهمية إطلاع المعلمين لدليل التربويين لرعاية السلوك التي فيها بدائل للعقاب البدني.
ليست ظاهرة
من جهته، قال فتيخان بن هليل العنزي (مرشد طلابي في مرحلتي الثانوية والابتدائية): إن الاعتداء على المعلم سواء من الطالب أو غيره يعد مخالفة سلوكية، مؤكدا «هذه الحالة ليست ظاهرة ولا تعدوا كونها حالات فردية لا يمكن تعميمها»، مشيرا إلى التأخر في صدور القرارات الموجهة ضد الطالب في حال ارتكابه هذا الفعل «والمتمثلة في حرمان الطالب من الدراسة إذ يمضي وقت والقرار لم يصل بعد ولم ينفذ، حيث يحتاج لمرحلة طويلة من الإجراءات»، ويضيف «لم أشاهد شخصيا حالات ضرب، ولكن هناك حالات اعتداء لفظي أومحاولة من قبل بعض الطلاب، و عدم تمكن بعض المعلمين من المادة وضعف شخصيته تعد من الأسباب، ومع ذلك لاتتجاوز المشكلة نسبة خمسة في المائة من الطلاب».
سوء سلوك
أما المرشد الطلابي فارس بن مجزع العنزي في المرحلة الثانوية، فرأى أن الاعتداء على المعلم هو اعتداء على رمز من رموز التربية والتعليم، بل هو اعتداء على نور يضيء الطريق للبشرية، وأكمل«ولكن هذه المشكلة لاتعتبر ظاهرة، بل هي حالات فردية»، مؤكدا أن أهم الأسباب تتمثل في سوء التربية وضعف الوازع الديني وحتى تعاطي المخدرات بالنسبة لبعض الطلاب، وكذلك ضعف شخصية بعض المعلمين وأيضا سوء تصرف بعض المعلمين الذين يستفزون الطلاب، مطالبا «يجب تحديد معايير لاختيار المعلمين وبوجود خبرة لدى المعلم، وكذلك الدور الكبير على ولي الأمر من حيث التربية السليمة، كما أن على الأئمة والخطباء بث التوعية بمثل هذا الموضوع وبالتالي تكاتف المجتمع للحد من مثل هذه الممارسات التي ولله الحمد لا تكاد تذكر».
وعلق كل من عبد الله جبر وهو مدير مدرسة ابتدائية، وخالد محمد السويلمي مدير مدرسة ثانوية على المشكلة قائلين «لا يمكن الجزم بأن هذا العمل ظاهرة إنما هو تضخيم إعلامي وحديث مجالس، ولكنها موجودة وحصلت أكثر من مرة، وناتجة عن سوء سلوك بلا شك من الطالب، والسبب الرئيس هو ضعف التربية» وطالبا بوجود ضوابط واضحة يتم الإعلان عنها في حالة معاقبة أي طالب يعتدي على معلم «لأن ما يحدث غير ذلك، ولو كان المعلم هو الذي يضرب الطالب لحدث العكس وتم التشهير بالمعلم، مع أنه لايمكن تعميم الحالة التي تحدث غالبا مع المعلمين الجدد».
طلاب عدوانيون
والتقط فرحان بن عامق الصقري المرشد الطلابي الذي أمضى أكثر من ست سنوات في المرحلة الثانوية طرف الحديث، بالتأكيد «إن محاولة اعتداء أي طالب على أي معلم هي بمثابة الجريمة التي يجب أن يعاقب عليها الطالب عقابا كبيرا حتى يكون عبرة لغيره من الطلاب»، مضيفا «انضباطية المدرسة لها دور وضعف إدارة المدرسة، وكذلك تأخر المعلم عن المباشرة عن بداية العام الدراسي»، مطالبا بتوطين المعلمين.
وأشار إلى أن صغر سن بعض المعلمين أحد أسباب اعتداء بعض الطلاب على المعلمين، «ولذلك تدعونا الحاجة إلى دورات مكثفة للمعلمين الجدد خصوصا وأن عدم تمكن بعض المعلمين من المادة تعد واحدة من الأسباب أيضا، إضافة إلى أن تدخل المدير والوكيل أحيانا يكون سببا في أن يفرد الطالب عضلاته على المعلم»، واصفا بعض الطلاب بالعدوانية التي يجب التعامل معها بطرق معينة.
كذلك تحدث مناور بن خلف مرشد طلابي في مدرسة ثانوية، مؤكدا على أن احترام الوالدين له دور كبير في أن يحترم الطالب المعلم ولا يفكر في الاعتداء عليه. «إن احترام الوالدين ينعكس بالتالي على المعلمين، مع أن اعتداء الطالب على المعلمين ليس ظاهرة إطلاقا ولكنه حتما مؤشر خطر جدا».
وطالب الإعلام بأداء دوره على الوجه الأكمل وعدم تأجيج قضية ضرب معلم لطالب أو العكس «أتمنى أن لاتستعجل الصحف في نقل بعض القضايا دون تثبت؛ لأن ذلك يسهم في تأجيج الرأي العام، خصوصا أن هناك من يرى من المعلمين أن إدارات التربية والتعليم والوزارة تقف موقفا سلبيا، حيث يتم إيقاف المعلم أو التحقيق معه مباشرة وكأنه مجرم، رغم أن الطلاب هم المعتدون، ولذلك يجب أن يقابل اعتداء الطلاب على المعلمين بحزم وعلى الإدارة والوزارة أن تعاقب الطالب عقابا يتوازى مع فعلته».
أولياء الأمور: نؤيد ولكن؟
ولكن آراء أولياء أمور الطلاب تباينت في هذا السياق، ففي الوقت الذي أيد بعضهم العقاب البدني رفض البعض الآخر ذلك، ولم يعلق فريق ثالث على القضية مكتفين بالصمت، إلا أنهم أشاروا إلى أن المدرسة مكان للتربية دون استخدام الضرب كحل.
يقول المواطن سالم المضياني: إن «الطالب في السابق كان يخشى المعلم لمجرد مروره أو مشاهدته في الشارع وذلك عائد لأن المعلم كان يؤدب الطالب ويضربه، ولكن بعد منع الضرب تمادى الطلاب على معلميهم، وهذا ما هو حاصل في هذا الزمن»، مطالبا وزارة التربية والتعليم بإعادة العصا للمدارس حتى يرتدع الطلاب. قائلا: لايمكن أن نتصور أن معلما يضرب طالبا إلا لمصلحته، وإلا كان هناك كلام آخر».
في حين يؤيد إبراهيم اليوسف (موظف حكومي) العقاب البدني شرط أن لا يكون ذلك لقصد التربية، وأن لا يكون بشكل كيدي، مؤكدا أن ضرب الطالب لمصلحته يجب أن يسمح به.
أما سليمان الدهمشي (متسبب)، وسامي العطيفي (موظف حكومي) فيقولان: إن أسلوب الضرب أو العقاب البدني أسلوب قديم أصبح يؤثر على الطالب في ظل المتغيرات، وأن أسلوب التربية الحديث لا يتوافق مع ذلك، مؤكدين «اعتداء الطالب على أي معلم أمر خطير ولكن يجب أن تكون هناك حلول تربوية».
ويؤيد عايد الشمري (موظف) ما قاله الدهمشي والعطيفي، مؤكدا على أن اعتداء الطالب على المعلم مرفوض بأي حال من الأحوال، «ولكن العقاب والإعلان عنه في هذه الحالة أمر واجب»، فيما اكتفى حمود الصقري بأنه مع وضد الضرب،«ولكن بالشيء المعقول الذي يكون فيه تربية للطالب دون إحداث أضرار جسدية أو نفسية وعقلية».
رسالة للصحف والتربية
المعلمون الذين أكدوا على أهمية طرح مثل هذه القضية تساءلوا بحسرة؟ موجهين تساؤلهم للصحف، ماذا لو كان المعلم هو المعتدى عليه، هل ستهب الصحف كما تهب لتصوير الطالب أو ولي أمره؟ مطالبين الصحف قبل الكتابة التأكد من السبب الحقيقي، وكذلك الحقيقة، مستغربين اهتمام بعض الصحف بحالة الطالب عندما يضرب وإهمالها حالة المعلم أو حتى الاستفسار منه عن الحالة «فقد يكون هو المظلوم»، وأضافوا «نعم نلاحظ اهتمام الصحف بقضايا ضرب الطلاب، وتأخذ القضية مساحة واهتماما غير عادي من دون أخذ رأي المعلم، وإن فعلت بعض الصحف، فذلك قليل جدا». وأشار المعلمون أنور العنزي، تركي خلف، ومحمد الزيد، إلى ضرورة وجود رادع قوي لمثل هذه التصرفات؛ «لأن هيبتنا بصراحة ضاعت، لاسيما أن الطلاب يعرفون أن اللوائح غالبا ما تصب في صالحهم»، وتساءلوا أيضا «ماذا لو حدث العكس، من يحمي المعلم، فهو لن يرحم من الإعلام ولا من الإدارة ولا من الوزارة، إذا لابد من وضع حلول جذرية وقوية للحد من هذه الظاهرة».
الطلاب: هم السبب
وفي ذات السياق، وضع الطلاب بدورهم الكرة في مرمى المعلمين، الطالب وليد الصقري قال «نحن نحترم المعلمين ونقدرهم، ولكن بعض المعلمين يخرج الطالب عن طوره بألفاظ غير جيدة وغير مهذبة، وهم الذين يجلبون المتاعب لأنفسهم»، واختلف معه الطالب محمد الراضي الذي قال: إن «على الطالب احترام المعلم حتى وإن أخطأ، ويجب أن لا يصل الأمر إلى الضرب». أما الطلاب محمد عبد الله الشمري، سليمان المشحن، وعبد الله الفانوش، فأكدوا على أن «بعض المعلمين هم الذين يتسببون في حدوث الاعتداءات عليهم بتصرفاتهم الغريبة، وبعض المعلمين للأسف ذوي شخصيات ضعيفة جدا، ما يجعل الطلاب أكثر جرأة عليهم ويكون ضعف الشخصية سببا في حدوث بعض الاعتداءات عليهم».
في حين أشار الطالب عمر سالم، إلى «أن أسهل شيء للطلاب الاعتداء على سيارات المعلمين، بسبب أن هذا الطالب يكره المعلم أو أن المعلم أساء للطالب بطريقة يراها الطالب غير لائقة».
يقول الطالب سلطان بن عافت الشراري «نحن نحترم المعلمين ونقدرهم، ولكن بعض المعلمين يخرج الطالب عن طوره بألفاظ غير جيدة وغير مهذبة، وهم الذين يجلبون المتاعب لأنفسهم»، مؤكدا أن «هذا الأمر لم يحدث أمامي إطلاقا وأرى أن من الأسباب الرئيسة ضعف شخصية المعلم، عدم وجود الاحترام المتبادل بين الأطراف، توتر الطلاب بسبب ضغط الحصص، وسوء معاملة الطلاب من قبل بعض المعلمين».
الحوار مطلوب
من جانب آخر، يرى بعض التربويين والأختصاصيين النفسيين أن الحوار لغة مطلوبة بين الطلاب والمعلمين، ويجب استخدامها عن طريق إجراء لقاءات دورية بين الطلاب والمعلمين، ويتم فتح مثل هذا الملف وغيره.
ويرى الأختصاصي النفسي طلال العنزي، أن الفوارق الفسيولوجية بين عقول المعلمين والطلاب هي التي تصنع الفارق والتعامل المختلف من معلم لآخر يكون سببا في حدوث مثل هذه الاعتداءات، مؤكدا «متى ماوجد الطالب من يحتويه بطريقة جيدة، مثل معاملته على أنه رجل ومحترم وشجاع وصديق، وعندما يسمع الثناء الدائم فأنه سيحترم الشخص المقابل أيا كان، خصوصا وأن الطلاب في هذه المرحلة بحاجة إلى المزيد من الثناء والمديح والرفع من المقام»، في حين يرى تركي العنزي مشرف تربوي أن الحوار مع الطلاب وفتح المجال لهم من أجل الاستماع لوجهة نظرهم في مثل هذا الموضوع أمر في غاية الأهمية «لأن ذلك سيفتح لهم آفاقا من أجل توضيح وجهة نظرهم»، مشيرا إلى «ليس كل الطلاب سيئون أو يمكنهم أن يعمدوا إلى تصرفات سيئة تصل إلى ضرب المعلمين والاعتداء عليهم».